الكاتبة نُسيبة : هل هذا هو العنف ضد المرأة الذي تحدّثوا عنه ؟

0

جميعهم تحدّثوا عن العنف ضدّ المرأة بتصويره كدمةً على الوجه وغيمةً فوق العين ونَسوا تلك القُطَبَ التي تُرقّع القلب، تلك الكدمات في الروح، وتلك الخواطر المكسورة وكأنّ العنف على المرأة لا يكون عنفا إلا إذا طفا على سطحِ جلدِها!..
ماذا عن الممزّقاتِ تحت جِلدٍ ناعِمٍ من وِديانِ الدَّمْعِ تحتَه، الأنيقات اللواتي يَخفِقُ الكَعبُ على خواطتهن متأثِّرا بألمِ العثراتِ والتواءاتِ الطريق.. "طريق الحياة".. اللامعات اللواتي يخفينَ تحت طبقة الفوندوتان شحوبَ الأرق، وتحت الكونسيلَر جفونَ البكاء الوارمة، وتحت الماسكرا خريف الرموش التي لا يأتي الربيع لينقذها، اللواتي يحجبن عضّاتِ الحسرة بأحمر الشفاه، ويقفن أمام المرآة جميلات حتى يصفعنَ الحقيقةَ بقناعِ السعادة، اللواتي لا يذكرن من الطريق سوى موضِعَ أقدامهنّ ويسقط كلّ شيء منهنّ حين ينحنينَ قليلا ليتذكَّرنَ آخِرَ إسمٍ صمَدَ في الوفاء. "ذهب مع الريح"...
والريحُ تقطِفُ "أنا بخير" حين يقلنها ويَمضينَ مُترفاتٍ بالكذِب يُواصلن رحلة الأيام المتناسخة، يَلُذنَ بالصمت وابتسامة حاذقة فرارا من الغباء، من العَوَرِ والعَمى، لأنهن اكتفينَ ولم يعد في اللسان رغبةٌ ليقول شيئا، ولا في القلبِ ما يتحمل المواساة المقرفة. "لا أحد يفهم".. ولا أحد يدرك أنَّ سرَّ اللمعانِ خلفَ ابتسامة قاتلة روحٌ تسخر من كل شيء. لهذا لا أحد يكتب عن المضيئاتِ فوانيسِ الألمِ، قوالبِ الزُّجاج المُهشم الوهاج بجمر الأنثى المحترقة!
ما الفرق بين ضربةٍ بـ "البْلوك" المستعمل في البناء وبين "بْلوك" على الفيسبوك؟ ما الفرق بين كَفٍّ على الخَدِّ وبينَ "حذف"، ما الفرق بين لكمة أو رفسة و "لا ردّ" يعني "أنتِ لا شيء". كل يوم هنا في هذا المكان "فقط" ملايين النساء الـ "يَمُتنَ" بالوهمِ، يمتنَ بالتقسيط والتقطير في طلب صداقة معلَّق، في رسائل تنتظر صدقة قراءة في البريد المهمَل، في سجنِ الحَظر، في لُعبةِ الحبِّ المعاصر الفتّاك، في نوافِذِ الماسنجر تحتَ مسميَّاتِ العبث، في ال"هُو" الذكوري العجيب. يمتن شيئا فشيئا في طوابير النوافذ المربعة والدائرية، في قوائم احتياط لا نهائية، في خطيئة الصّدق والبراءة.. في ورطة الحداثة، في غاباتِ الأخضر، وسماوات الأزرق، وغيوم الرمادي... يختنقن بحبال الغيرة، ويَسِرن قليلا.. قليلا ليصبحنَ فزّاعات. "مُعذّباتُ النّفسِ.. مُعذّباتُ الروح".
ماذا عن نساء أُسْرِينَ إلى الوَرديِّ وأُلبِسنَ أجنحةً طالما كُنَّ في سمُوِّ العشرين، وعند شمعة الثلاثين قَرعَتْ الريحُ البابَ والهديَّةُ دعوةٌ إلى زواجٍ مع عشرينيّة.. "الهديةُ هاويِة".
ماذا عن الأراملِ والمُطلَّقاتِ اللائي ذنبُهنَّ أنَّهن يملِكنَ طريقا مفتوحا بين الساقين دونَ وثيقة ملكيّة، اللواتي يعْمَلْنَ "خاضعاتٍ لأربابِ السُّمعة" الخارجين من فوق الأرضِ بعدَ أن يسكنَ الوصيُّ الشرعيُّ للجسدِ تحتها.. الذين يصبحون رجالا فجأة حين يتعلٌّق الأمر "بهجّالةٍ" خرجت إلى "سوقِ الخُضرةِ" وحدها.. يُشمِّرون عن ألسنتهم لأنها تخرج إلى "المَرشي" ولا أحد يشمر عن جيبه أو ساعده ليحملَ لها ال "فيلي" إلى باب البيت. 
ماذا عن "المُسَقّفين" الذين يتخفّون خلف ربطات العنق، أصحاب الصفحات المكتظّة بالدّفاع عن المرأة وهم يخونون حروفهم حين يتجاوزون عتبة البيت إلى داخله، الذين يتعرّون من نفاقهم في غرف الدردشة، ويعودون إلى أصلهم ضباعا جائعة حاشا الذئاب والكلاب.. مترامين على كل الإناثِ يتشمَّمون رائحة من منهنّ قد تكون جيفَة.
ماذا عن النّاجحات، المكتفيات، النّجمات اللّامعات في سماء الغربان، الحوريّات في بحار القراصنة، اللواتي إذا نزلنَ من حزنهنّ درجةً ليصافِحنَ أملا، جرّتهنّ المخالب إلى مأدبة محترمة من سكاكين الظّنون؛ ينتظر أن تمنحه نظرة ليبذل قصارى جهده في دفنِها أسرع ممّا قطعه على نفسه الدّنيئة من وعود الإطاحة. 
هذا العالم الملئ بالمفسدين الذين يعشقون سحق الورود الحقيقيّة بينما يحتفظون بالبلاستيك ويحافظون على سلالته بدفتر عائليّ، هم كلّ من صادفناهم في طريقنا، نحن النّساء الرّائعات، الباذخات، العميقات، الكثيرات مَن طالما لم تجد الحياة مكانا للخيبة في وجوهنا، أمضت توكيلها للحبّ كي يفعل.
(سوءُ الفهم عنف، سوء التقدير ظلم، الإهمال قتل، الخيانة ذبحٌ، والكذب حصد، والتجاهل سفّاح، والحرمان يُمزّق، الشّك يُدمي، التّعليقُ يقهَر، التّركُ ينحَر، القذف يسلخ، الصبر ينخر.. وكل معاجم المجزرة.) في جمهوريّة الصّيادين والإرهابيّين بوصاية الدّين ورعاية القانون وبركات الأولياء..
ماذا عن النّساء..؟ 
يؤذي النّساءَ نساءٌ مثلهنّ، النساءُ اللواتي خُلِقْنَ ليُفْسِدْنَ الرِّجالَ ويقتُلنَ أحلامَنا بأنّ ثمّة في هذا العالم رجال.
ــــــــــــــــــــ
الكاتبة : Noseiba Attaollah

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

إحصائيات المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :

أرشيف المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

التسميات

فنون

تابعنا علي الفيس بوك

سينما

شائع هذا الأسبوع