عامر السعيد | التحدي الكبير و المراهقة العجيبة

0

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين ترى الأب يبتعد عند لشهور أو حتى لسنوات بدافع العمل و توفير الملبس و المأكل و المفرش, لك و لإخوتك الصغار حتى إذا قدِم البيت من جديد يبدأ حفظه الله في ممارسة سلطة السيطرة و التلذذ بذلك عن لاوعي منه لخطر هذه الوضعية, دون أن يفتح مع أولاده مجال للسؤال و التساؤل ليجيب عما يجول في خاطرهم عن طيب خاطر , إنها الأبوة المشوهة في صورتها النرجسية الباعثة و المثيرة لغريزة القيء لذلك الإجترار التربوي الزائف, حين يحسب الوالد نفسه ديكاتوراً أو فرعوناً لهذه الأسرة أو تلك يجود عليها بما جادت به قريحته ومستواه الفكري المنحط أخلاقيا و ليمارس طقوس الإستعباد غير المباشر لأبناء قد لا يتجاوز سنهم 16 سنة,لا يفقهون في الحياة شيئاً سوى القدرة على التمتع بكل شيء في الوجود, ليجدوا أنفسهم عبارة عن آلات وروبوتات مبرمجة جينياً من طرف شبه انسان يسمي نفسه (طاعة الوالدين)

- صحيح أمر الله بطاعتهما بعد طاعته عزّ وجل لكن هل هذا هو السلوك الأمثل أيها الوالد لتربي جيل من المجتمع بغطرستك وميولاتك الغبية الشاذة عن المنهاج المحمدي ؟ وهل من الواجب أن تلتزم بالشريعة الغرّاء فقط في ميدان القوة و التحكم و الهيمنة و النفوذ ؟ لتجد نفسك بدل أن تُقّوم السلوكيات محل صدام و تطاحن في معركة وهمية نتيجتها الحتمية فساد الأبناء و فساد طبعك, ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة إذا كنت تريد الله ورسوله, فأنس ابن مالك رضي الله عنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يقل له أبداً يا انس لما فعلت كذا أو لما لم تفعل كذا ! العجيب في الأمر أن أنس رضي الله عنه إلتحق بخدمة النبي و هو في بداية مرحلة المراهقة تقريبا إبن 8 أو 9 سنين يعني قضى فترة المراهقة كاملة عند النبي صلى الله عليه وسلم . أليس من حقنا أن نستفيد من هذا المنجم الكبير في صورة حية عن طريقة معاملة المراهق و أن لا نضفي صورتنا المشوهة عن الأبوة كآباء على أبناءنا و أن ننظر مقاييس جديدة للتربية حتى لا نتسبب في المزيد من التشوهات السلوكية ؟

- الأكيد أن نبي الرحمة كان يُوجه المراهق أنس ابن مالك من طرفي خفي وبأساليب أرقى من ملاحظتها على أنها أوامر و نواهي و تحديات تلغي و تطفئ مشعل تلك الطاقة الشبابية التي كان من المفروض أن نُسغي إليها و نتأمل فيها و نتقبلها كما هي . ابني يلبس سروال من الماركات الممزقة ؟ يرتدي سلسلة فضية ؟ بنتي لا ترتدي الخمار ؟

- أول سبيل للعلاج أن أتقبل ابني كما هو بغض النظر و البصر و الادراك لما يشترطه الاجتماع البشري وبغض النظر عما يقول ويتهمني به بقية الآباء التاعسين ثم أسترسل في الحوار الواعي مع ابني أو ابنتي بأسلوب حواري لا يلغي شخصيته او شخصيتها بالبسمة و أن أجعل العقل هو الفيصل بيننا حتى و إن رفضني يجب أن أتقبل الوضع ولا تقل لي أنني مررت كأب بمرحلة المراهقة و أعرف خصوصيتها وطبيعتها ! لو كنتَ تعرف يا صديقي لما وقعت فيما وقعتَ فيه و أنت مراهق ومن هو داخل الصندوق (المراهقة) لا يمكن له أن يرى خارج الصندوق فدع ابنك يجرب و يحاول و يجتهد أن يجد ذاته هو في مرحلة البحث و التقصي و الاختبار و التجريب حتى يجد المكانة و الصورة المناسبة لشخصيته حتى يحس بوجوده ككائن عاقل له كيانه و تأثيرة و قدراته الكامنة فيه

- مشكلة اخرى أنك اذا حاورت ابنك ورفض أن يتقبل فكرتك مباشرة تتهمه بأنه لا يفهمك و هو يحس أنك لا تفهمه فينظر إليك على اساس أنك لا تفهم و أن هذه مشكلتك لا علاقة له بها هو و العكس صحيح , و اذا اتهمت ابنك أنه لا يفهم ولا يريد أن يتعلم من اصحاب الخبرة (من الأب) و هكذا تُسد قنوات التواصل بسهولة تامة و ساذجة
- نقطة أخرى مهمة جدا حين تقابل شخصية مرموقة أو ذات مكانة تصطنع الموقف من نرحيب و بسمة و تقديم للهدايا و المشاعر التي تبدو زائفة . السؤال لماذا لا تصطنع هذا الاهتمام مع ابنك أو ابنتك المراهقين ؟ الغريب ان الأولياء ينظروا بطريقة لاواعية لأبناءهم على أنهم ملك لهم وفي نهاية المطاف فإن كل شيءملك لك فهذا يعني ضرورة أن تقرر مصيره أنت وأن يلتزم بأوامرك بطريقة عسكرية هنا تقع الكارثة يحس المراهق نفسه عبارة عن (آلة) وهذا المنطق الخسيس يلغي حرية المراهق و بالتالي يصبح كائن عبد لا يملك أمره و شخصيته و ميولاته و اهتماماته وكيانه كائن مملوك و أنتم تعلمون أنه لا شيء عند الإنسان أخرى من أن يكون حر ولذلك الله تعالى خلقنا أحراراً فلنا حرية اختبار التوحيد أو الكفر , الطاعة أو العصيان, فعل الخير أو الشر حتى يصبح لتصرفاتك معنى و لمحاسبتك عدالة غير ظالمة .
تحرير : عامر السعيد .

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

إحصائيات المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :

أرشيف المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

التسميات

فنون

تابعنا علي الفيس بوك

سينما

شائع هذا الأسبوع