سورين آبي كيركغارد Sören Aabye Kierkegaard، فيلسوف دنماركي ورائد المذهبالوجودي، ولد في كوبنهاغن ومات فيها. دارت فلسفته كلها حول موضوعات: الخطيئةوالحرية والحب والزواج والندم والتكفير والغواية والمصير؛ ذلك لأنه عانى هذه المشكلات جميعاً معاناة عنيفة حية.
كانت طفولته فريدة من نوعها، فهو لم يعرف هذه المرحلة من عمره وعدّ منذ البداية شيخاً كبيراً، وكانت هذه الطفولة المسنة سبباً للكآبة العميقة التي خيمت على حياته منذ مولده حتى وفاته، فقد تأثرت حياة كيركغارد وفكره بالتربية الدينية المتزمتة التي تلقاها من أبيه، والتي اتسمت بالتقوى والخوف من الله وبالريبية إزاء العالم، فكانت حياته مجاهدة دائبة ليجد حقيقة نفسه ووجوده وشخصيته، وعلى الرغم من أنه توفى وهو في الثانية والأربعين إلا أن إنتاجه الضخم، والموضوعات التي تطرق إليها، تجعله من صفوة المفكرين والقلة الذين عاشوا فكرهم. ومن أهم مؤلفاتـه: «إما أو» (1843)، «مفهوم القلق» (1844)، «المرض حتى الموت» (1849)، «مدرسة المسيحية» (1850)، «كتاب اليـأس» (1849)، «شذرات فلسفية» (1844) «الخوف والرعدة» (1843).
كانت رسالة كيركغارد تعليم الناس معنى الوجود الإنساني، لاعتقاده أن في الإيمان خلاص للإنسان، وأن مهمة الفيلسوف هي استخراج العناصر الأساسية في الوجود الإنساني، وهو ما يسميه كيركغارد بالمقولات، وهذه المقولات هي: التفرد، السر، الصيرورة، الاختيار أو الحرية، المثول أمام الله، الخطيئة، القلق. وتميزت فلسفة كيركغارد بأنها فلسفة موجودية existentialوليست وجودية، فهي بحث في الموجود أو الفرد، تبدأ من وجود الفرد المتعين بتجاربه المفردة لتنتهي بحقيقة وجوده كفرد، فالفكر الحقيقي هو الفكر الوجودي المُعاش، الذي يتحد فيه الوجود والفكر أو المعرفة، فالإنسان لا يوجد ليتفلسف بل يتفلسف ليوجد. والحقيقة لا توجد إلا إذا تقبلّ الفرد وجوده فيها والعيش فيها بعاطفة، فالعاطفة هي التي تعطي الحقيقة طابعها الدرامي، وتضفي عليها اليقين. والوجود هو الاختيار، والإنسان لا يختار إلا نفسه وماهيته، ووجوده يسبق ماهيته، وقد يختار مرتبة بين مراتب الوجود الثلاث: الجمالية أو الأخلاقية أو الدينية. والجمالية مضمونها اللذة والأخلاقية مناطها الواجب، لكن الدينية أرفعها، لأن «الأنا» فيها يختار أن يوجد أمام الله، ويرتبط بالمتعالي السامي.
ومن الواضح أن هذه الفلسفة كانت على طرفي نقيض مع فلسفة هيغل[ر] Hegel السائدة في ذلك العصر، فالحقيقةعند هيغل موضوعية صرفة، بينما عند كيركغارد ذاتية صرفة (متطرفة). وكان موقف كيركغارد من الدين جريئاً وغير مفهوم، فانتقد الكنيسة ورأى أن من واجبه إيقاف انتشار المسيحية، لفقدان كهنتها روح الإيمان والتقوى وتبعيتهم للدولة، ولشعوره بأنها ليست نموذج الحياة السامية المتبصرة، فطرح سؤاله الرئيسي «كيف أصير مسيحياً»، وعندما اقتنع بحقيقة المسيحية عزف أن يصير قساً.
لم يُعرف كيركغارد، ولم يُقّدر كثيراً في حياته، حتى إن كثيرين لا يعترفون به فيلسوفاً، ومع هذا فقد شاعت مفاهيمه ونظريته الوجودية، فكان لها أثر ملموس في فلسفة هايدغر[ر] Heidegger وياسبرز[ر] Jaspers، كما استفاد كارل بارت K.Barthوسارتر[ر] Sartre من تصوراته. وبهذا مهد السبيل لظهور فلسفات وجودية منظمة وعميقة بمدلولاتها وموضوعاتها.
صالح شقير
الاشتراك عبر الفيسبوك اضغط هنا
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق