الصفحات

الثلاثاء، 2 يونيو 2020

د.محمد الامين بحري | لا علاقة بين الكاتب وجائعة كورونا


لا وجود لعلاقة بافلوفية بين الكاتب والجائحة، وإن حدث ذلك فلن تكون كورونا إلاّ موضوعاً لمن لا موضوع له. ولا أرى في مرحلة الوباء الراهنة في يوميات العالم، إلاّ فرصة سانحة للكتابة، تكمن في ما يُوفره الحجر من وقت لخلوة الكاتب بفنه، وتفرغ سانح لم يكن مُتاحاً للمبدعين، في الأيّام السابقة، ما يعني أنّ التأثير الفعلي للجائحة هو تأثير سياقي محيط بعملية الكتابة وأجوائها وطقوسها، وليس داخلياً يفرض عليها تيمته ويعطي للكاتب فكرة للكاتبة، ذلك أنّه من السذاجة الاِعتقاد بأنّ الظرف الوبائي الّذي أقعد الجميع في بيوتهم، سيكون هو نفسه موضوعاً لكتاباتهم، أو أنّه سيفرض عليهم أفكاراً معينة ليكتبوا فيها. وإلاّ فسنجد بكلّ بلاهة صدور روايات معظم الكُتّاب في الموسم القادم حول موضوع واحد وفكرة واحدة. وهذا التفكير الساذج، سيجعل المُتلقي يعتقد بأنّ المبدعين والكُتّاب كانوا عاطلين فكرياً وإبداعياً، لدرجة أنّهم لا يملكون موضوعاً ليكتبوا فيه، إلى أن أنعم الله عليهم بظرف وبائي أقعدهم في منازلهم، وهكذا شرع الجميع في الكتابة عنه كموضوع، واستوحوا منه أفكار كتاباتهم، لأنّهم لم يجدوا موضوعات تستحق الكتابة لولاه..؟؟ والسؤال المطروح: هل فعلاً هذا تفكير مُثقف، حول موضوع الكتابة؟ وهل هذا تفكير مبدع، حين يجعل كلّ ما يقع له موضوعاً ضرورياً لنصوصه؟ أعتقد أنّ هذا التفكير الآلي والسببي، لهذه الفكرة الساذجة حول اِنعكاس تأثير وباء العصر، على الكُتّاب، يجعل هؤلاء، في صورة سلوكية مشابهة لِمَا لنظرية المنعكس الشرطي لبافلوف وواطسن التي تُحدد طبيعة الاِستجابة السلوكية الآلية لردود الأفعال عند تلقي نفس النوع من المثيرات.
ولا أعتقد أبداً بأنّ العلاقة بين المبدع وثيمات كتابته في أي فن، تخضع لشرطية هذه الآلية الاِنعكاسية في سلوك الكتابة، والتعاطي مع مواضيعها، بهذه البلاهة التي تفتقد إلى سمة الإبداع، من حيث المبدأ التفكيري، قبل حتّى أن نعطيها سمة الاِنعكاس الشرطي التي تجعل من كلّ كاتب ملزم بالكتابة عن موضوع معين، فقط إن تلقى مثيراً أو مُنبهاً بوقوع حدث يُثيره لديه.
لذلك ففي اِعتقادي بأنّ تأثير السياق الاِجتماعي والحضاري والمعيشي، لا يكون موضوعاتي التأثير، بل سياقياً بدوره، لأنّ السياق يكون تأثيره من جنس طبيعته، أي له تأثير سياقي أكثر منه موضوعاتي، مع عدم الإنكار التام لفكرة وجود مثل هؤلاء الكُتّاب المناسباتيين في كلّ عصر، والذين لا يجدون موضوعاً للكتابة يشتغلون عليه، إلاّ إن أسقطته عليهم فرصة ما، أو فرضته أوضاع طارئة معينة كالتي نعيشها الآن، ونُشير إلى أنّ هؤلاء -في الغالب- ليسو من جنس المبدعين الحقيقيين ذوي المشاريع. لأنّ غرضهم هو النشر الدوري من أجل النشر ذاته، كسبب ومُبرر لوجودهم على الساحة، دون أن يحملوا هم الكتابة والتجريب فيها من أجل الإضافة إليها بل فقط يشتغلون على الجاهز من الكليشيهات. وهم على وضعهم الراكد إلى أن تنزل عليهم موضوعات من السّماء كموضوع الجائحة، فيهرع جميع أفراد هذه الفئة إلى الكتابة الآلية، عن الموضوع نفسه. ليس لأنّ الظرف منحهم فرصةً للتفكير في إنجاز مشروع إبداعي، بل لأنّه منحهم موضوعًا يفتقدونه للكتابة، وفرصة للنشر كانوا ينتظرونها، لذا سنتوقع -إن حدث هذا الأمر- شيئاً من التماثل والاِستنساخ الساذج للموضوع نفسه بشخصيات مُختلفة فقط. والمأساوي في الأمر، أن تتحوّل كتابة الجائحة إلى جائحة كتابة.
وهنا نكون قد خرجنا من روح العملية الإبداعية، إلى نوع من العبثية في الولع بنشر الجاهز والتغذي على المناسباتي من الأحداث، دون تساؤل عن: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف أكتب إبداعاً نوعياً بفكرة وأساليب نوعية، تصنع قارئاً نوعياً، وتُضيف للإبداع بُعداً تجريبياً مُستجداً؟ بدل تدوير الفكر الوبائي المُستجد؟؟

الدكتور بحري محمد الأمين . جامعة بسكرة 2020/06/02

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق