الصفحات

السبت، 16 نوفمبر 2019

الجـزائـر الـكـنـود..بين الشيخ محساس وما أدراك و "الشيخة " الزهوانية ولا أراك.




ديباجة : عشية تأسيس قناة الهقار ربيع 2012،شرعت في التحضير لبرنامج من التاريخ السياسي الجزائري،على شكل سلسلة من الشهادات التاريخية مع قامات سامقة من فحول الجزائر،وقد ضبطت قائمة كان على رأسها سي أحمد محساس،الذي ظلمته الجغرافيا،ولم ينصفه التاريخ،باشرت معه سلسلة اتصالات وتمكنت من إقناعه بان مساهمته الهدف منها،تعزيز الذاكرة الوطنية،كما تعد حق الأجيال في الاطلاع على تاريخهم،ناهيك أنها وثيقة تاريخية خام،سيتكفل الباحثين والمؤرخين بغربلتها وفلترتها،لتخرج للناس في أبها حلتها.
القـصـة : عندما ولجت في أول يوم بيت سي محساس ـ رحمه الله ـ في نادي الصنوبر "كـلـوب دي بان"،الذي انتقل له حديثا قادما من بيته العائلي بشارع ديدوش مراد (قلب العاصمة) لمحت في "الصالون" الذي استقبلني فيه،مكدسا "بكراتين" مربوطة بحبال رقيقة مخصصة لنشر الغسيل،كانت إحداها،ممزقة تطل منها بعض الكتب،وأخرى الظاهر منها،أنها تحتوي على عفش تم حشوه على عجل،سألته بعد أن لمست منه ترددّ في قبوله العرض الصحفي لسماع شهادة مطولة منه،عندما تعذر لي بالوضع الصحي.
سي محساس العبد ضعيف،صحفي بفضل جهادكم ونضالكم،وإن كان جيلنا لم يحظى بكرم الزمان،لحمل البندقية ليصنع التاريخ،ها نحن اليوم نحمل الكمرا لنوثق التأريخ،ثم ياسيدي لا خير في جيلنا إن لم يلتفت لرموزه ونحن ثمرة الجزائر المستقلة لا المحتلة بفضلكم،هلاّ ياسيدي تفضلت عليا بكرمك بمعرفة سبب ترددكم؟
استنفرته الكلمات،وهزته العبارات،وتحامل على نفسه،فالتقط عصاه الخيزران،فتوكأ عليها ويداه ترتعش،وقال لي أتبعني يابني،كان متثاقل واثق الخطى،يمشي الْهُوَيْنَا حتى بلغنا عتبة البيت،التفت إلي ووجه مُربدا مُكفهرا متجهما تكسوه الحسرة والخيبة،وتسكنه حشرجة في الصدر،وخشخشة في القلب،ثم دنى مني وفاض قائلا:(هل تعلم يابني معزوزي لماذا أنا هنا في هذا البيت" قلت : كلا،استطرد وقال" لقد رحلتني السلطة الفعلية من بيتي بديدوش مراد،ووضعتني في هذا البيت "السجن" حتى تعزلني، بعد أن صار يتردد على بيتي العائلي جمهرة من الصحفيين والمثقفين،وقد خشيت السلطة الفعلية أن أبوح بأسرار الثورة وخبايا "السيستام "فقاموا بترقيتي من بيتي العائلي إلى هذا البيت بهدف "العزل" وقد استعجلوني على الرحيل،حتى اضطررت وضع عفشي وكتبي في كراطين،التي رأيتها مسندة كأنها خشب في هذا البيت الضيق،المكون من ثلاث غرف لم تحتوي حتى "كراطيني" فكيف تحويني ياترى مع عائلتي؟؟)
تنفست الصعداء،وضللت لدقائق تائه شاردا شاخصا،استمهلني سي محساس،ثم رفع عصاه باتجاه "فيلا" في أبها ما يكون، تتدلى منها أجمل الورود والزهور،مختلف لونها وشكلها تسر الناظرين الزائرين،وبصوت أشج فيه جرح وقرح،سألني هل تعرف لمن تعود هذه "الفيلا" الضخمة التي تقابل باب بيتي؟ قلت:كلا،رد: هذه لصاحبتها السيدة الزهوانية،صعقت وكدت أصرخ،لولا الهدوء القاتل الذي كان يخّيم على المكان،واندفعت بسؤالي: لا تقول لي،أنك تقصد بالزهوانية المغنية "الماجنة" قال: بلى،فبهت الذي سأل.
الفايدة والحاصول:
1.أدركت وقتها،أن الرجل مجروح إلى الأذقان،وقد تم جلبه ليس فقط لعزله،بل بالإمعان في أهانته،بوضعه في منزل "بريك فابريكي" بحجم علبة كبريت،مخصص للمسؤولين العازبين أو الراغبين في الهوى.
2.بيت الزهوانية صاحبة اغنية" وين لقيته جيبه و أرواح" يقابل بيت صاحب المقولة،بعد أن أشهر مسدسه في وجه زملاءه في لوس(المنظمة الخاصة) قائلا: لن تخرجوا من هنا حتى تتفقوا على تفجير الثورة مهما كان الثمن".
خلاصة الخلاصة:قصة تقابل البـيـتـيـن،صورة مصغرة للجزائر اليوم"البلد المريض".
عبرة العبر: لا يقوم وطن من وحله، يرفع فيه شأن مغنية ماجنة خريجة ماخور،إلى مصاف رجل تسلق جدار سجن البليدة الاستعماري،بطول سبعة أمتار على الواحدة صباحا في ليلة حالكة شيمتها الصقيع،ليلتحق بإخوانه الثوار،ليكون احد مهندسي نوفمبر"المهان".
يا وخـــــذتاه...على سي محساس،الذي تكالبت عليه لعنة الجغرافيا(بدواو) وسوء التاريخ(تنكر الرفاق).
ختاما: سبحان الذي قلّب هذا البلد على وجه،من وطن المليون شهيد،إلى البلد الكنود.
ملاحظة : الكنود..هو الكافر بالفضل،والجاحد للحق(هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده)
يقول الشاعر السراج الوراق:
أَنكرُوا المعروفَ حتَّى... صارَ بينَ القَوْم مُنْكَرْ.
وَتَناسَوْهُ فَدَعْ ذِكْ... رَكَ شيئاً ليسَ يُذْكَرْ.
الاعلامي : فاروق معزوزي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق