الصفحات

السبت، 25 أبريل 2020

ندوات في زمن كورونا. القاص سعدي صباح:


- لما أستفقت على خبر فوز الرّوائي عبد الوهاب عيساوي بجائزة البوكر العالمية، سعدت كثيرا، ليس لأنّه صديقي وابن ولايتي ووطني، ولكنّه جعل للرّواية الجزائرية مكانتها المرموقة التي تليق بها، إنّما تفاعلت مع هذا الفوز العالمي المشرّف بصفة عادية جدا، بناء على بعض التصورات، وما كتب عنه بعض النقاد والمهتمين، واستشرف بعضهم بمستقبل الرّواية الجزائرية، من خلال هذا الشاب المتواضع الذي لا يحبّ الأضواء كثيرا، ولا علاقة له بالفنادق الفخمة والمهرجانات الفارغة.. والتّكريمات الهزيلة، ألا وهو الروائي عبد الوهاب عيساوي، الذي يشتغل في صمت ودون ضجيج، لذلك تنبأ الكثير بمستقبله، فلم أتفاجأ لأنّه عوّدنا على حصد الجوائز، وأعتقد أنّ وصوله لجائزة البوكر العالمية كان بالتدرّج، من خلال تتويجه بجوائز أخرى، بداية بجائزة على معاشي إلى جائزة أسيا جبار إلى جائزة كتارا.. وصولا إلى جائزة البوكر العالمية التي لا محالة أنها تحفز الكثير من الكتاب الشباب الذين تجرعوا علقم التثبيط والتهميش، ولفت الانتباه إلى الرّواية الجزائرية عامة، ولا ريب أنّه سيجعل النقاد والمتكلّمين على المستوى العربي، يقفون عندها ويهتمون بها دراسة وتحليلا وترجمة، أكثر بكثير من ذي قبل، وفي رأيي أن هذه الجائزة كانت ثمرة مسار طويل ومجهودات جبّارة، اعتكافا.. وعزلة.. وقراءة متفحّصة للأعمال الأدبية.. وقيدا... وتلخيصا، وغوصا في المسائل التاريخية والأدبية، ولا سيما الرّوايات التي تطرح إشكاليات عميقة في التّاريخ والأدب، فهو قارئ انتقائي نهم، وبذلك برهن للعالم بأنّه روائي كبير، ويشهد له الجميع، ومنهم من كان ينتظر له هذا اليوم السعيد.. الذي شرّف به الجزائر، فنحن كمحبين وقرّاء وكتاب أزاحنا فوزه بالفعل ولو فترة... عن هاجس الوباء وسجن الحجر، ومنحنا جرعة لا تنسى من الفرح، في وقت تلاشت فيه الأفراح، وشرّف وطنه وقرّاءه، فهو يعرف كيف يستغلّ وقته، عن نفسي لم أسمع عنه قط.. بأنّه تهيكل أو دخل في بعض الخلافات الأدبية، الذي قد يعرقل العملية الإبداعية، ولم يسمح لنفسه بأن يضحي بشحنته.. في الحديث الزائد أو المناوشات الفيسبوكية التي قد تنقص من قيمة الأديب وتأكل من وقته، فلو فعل ذلك ما وصل إليه من مجد وشهرة عالمية، يحلم بها الكثير على مستوى الأقطار العربية، عبد الوهاب عيساوي لم أسمعه يوما يدّعي بأنّه روائي كبير.. أو يقول: أنا وورائي الطّوفان، حضرت له بعض التكريمات فرأيت سمات الخجل بادية على وجهه، الرّوائي الجزائري عبد الوهّاب يتقبل الآخر ويقرأ له ويسمع صوته.. يعطيه قدره، يوقّر الكبير ويحترم الصغير، جمعتني به عدة جلسات وملتقيات، وعرفته داخل وخارج نصوصه، وأحصيت كل من توسّم فيه خيرا ككل محبيه، ولن أذكر ذلك تفاديا لبعض الحساسيات التي تنجم عن السهو، وأصرّح جازما بأن الكثير منّا رأي وقرأ في شخصه معاملة الروائيين الكبار، وذلك يتجلى في حضوره المميز وفي تواضعه وطيبة سريرته ونظرته إلى بعيد، كل هذه العوامل التي ذكرتها والتي لم يتسع المقام لذكرها، كانت وراء بزوغه على العالم بروايته العالمية ديوان الإسبرطي، باختصار تواضع لله ولخلقه.. فزاده رفعة، وجعل لنفسه مساحة خاصة، جعلته في منأى عن الصغائر وسفاسف الأمور.. فطرق أبواب النجوم، وربّما يكون للنقاد كلمة أفضل في إنصاف هذا الرجل الأصيل الذي أدّب نفسه وأحسن صقلها، قبل الولوج في عالم الأدب، لذلك نال نصيبه الكبير من المعجبين والمهتمين والمتتبعين في ظرف وجيز..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق