الصفحات

السبت، 25 أبريل 2020

ندوات أدبية في زمن كورونا. عبد الباقي قربوعه.




رواية الديوان الاسبرطي تفتح أمام العقل معبرا يتجاوز الوعي العادي، تتضمن نكزا قويّا للالتفات إلى التاريخ، فيجعلك تكتشف ما يعادل معنى ثقب الأوزون الذي لم ينتبه إليه أحد إلا بعد أن استفحل، الديوان الاسبرطي غير معادية لأية أيديولوجية في العالم، فهي منظومة سردية عجيبة، يتعامل فيها الروائي مع أبطاله بالتعاون مع التاريخ، ويذكر مَن زعموا أنهم أسسوا لحياة مثالية بما يحيط الإنسان من واقعية مؤلمة، وعلى غرار ما طرحته ووظفته رواية كليلة ودمنى من سخرية بمجانين قيادة المواقف الإنسانية على لسان حيوانات، كذلك فعلت رواية الديوان الاسبرطي في توظيف أحلام وتوقعات زعماء غابرين من الشرق والغرب، باعتبارهم مخلوقات عادت مرة أخرى لتجد الروائي يحيط بالتاريخ، ويملك قدرة رهيبة فيتمكن من إسقاطه على واقع الحياة.. إنه بالنيابة جذب هذه الزعامات من آذانها عقابا على استغلالهم للإنسانية والضحك عليهم بزعمهم التفوق في إدارة القيم الحضارية، ليثب بما تتخبط فيه الإنسانية من تخلف وصراعات كذبهم ونفاقهم، وأنهم كانوا يصنعون مجدا لهم على حساب بساطة الشعوب وجهلها وبلادتها، في التعامل مع كل مفهوم يتوارى خلف غلاف خطابي ملون جذّاب.. ليثبث أن الشعوب لا تزال تتوق إلى حلوى المعرفة خصوصا المقدس منها، كأني به يُشبّه المعطيات التاريخية بالواجهة الزجاجية المليئة بالحلوى، فالجوع الحضاري والمعرفي خصوصا ما نتوهم أنه يشفي فينا الأسقام المختلفة.. أبرزها التخلف والبحث عن قيادة روحية أو حضارية مثالية، هذه الظواهر تجعلنا نندفع كالأطفال نحو الواجهة وننفق في شراء ما بداخلها كل ما نملكه في جيوب عقولنا، ونضخ فيها بجزافية كل قناعاتنا، فنأكل المحتوى في حين يظل الغلاف يلعب دور الجذب بمحاذاة أقدامنا، الديوان الإسبرطي لعبت دور ذلك الموظف الثانوي الذي لا تهتم به دائرة الضوء في المسرح، لكنه بجذب خيط الستار يعلن للجمهور بداية الفصل، وبه يعلن أيضا بداية الفصل الثاني.. والثالث وهكذا. إذن هي وظيفة عظيمة في حين لا يعير لها الممثلون أي اهتمام مع أن فعل الظهور لا يتم إلاّ بها، هكذا لعب عبد الوهاب عيساوي دوره، مع أننا نجده أحيانا ممثلا ثانويا، وحينا آخر يفاجئنا بأنه ممثل رئيسي، بل يتماهى في ذكائه لنجده مخرجا بارعا، يعرض أمامنا التاريخ لنضحك معه على مشاهد لم تعد إلا ذكريات مخجلة، ولم يكن الروائي تهمه الأيديولوجية التي يلتبس بها كل بطل.. الذكاء عند عبد الوهاب عيساوي أنه لم يستجيب لما يكرره معلم التاريخ عادة (انتبه، أنظر أمامك)، ولأنه كان يرغب كباقي الزملاء في نقطة جيّدة أوهمه بأنه منتبه، لكن عبد الوهاب عيساوي بانتباهه تجاوز المعلم وتجاوز ما هو مكتوب على السبورة، بل تجاوز جدار حُجرة التدريس ملتفتا إلى الوراء لينال نقطة تاريخية مختلفة عن أحلام زملائه وخارج حدود استيعابهم.. إلى هنا وأتوقف فلا أريد أن أكتب رواية عن هذه الرواية، فالنقّاد المتخصّصون يفرّقون جيّدا بين الألعاب المختلفة الممتعة في الكتابة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق