تداخل الأنواع السردية- وأزمة التأثيث المعرفي.
أولاً – تداخل التيمات السردية، وخيارات الانفتاح.
لم يعد الكاتب الحالي مؤمناً بأحادية النوع الروائي، ليبقى حبيساً له ووفياً لمعايير تصنيفه ضمن الكتابة الأنواعية الصرفة، كأن يكون بوليسياً بحتاً أو تاريخياً خالصاً أو فنتاستيكياً ملتزماً، وإنما نلاحظ بدايات جادة في الأقلام المعاصرة نحو تمزيق عباءة النوع الواحد، وتجاوز القوالب التقليدية الأحادية التجنيس، لنشرع في قراءة نصوص تنفتح بنا على تعدد أنواعي لا تمنح سوادها الأعظم لنوع معين كي يستحوذ على سمتها الأساسية، ومعلوم أن تعدد الأنواع وتداخلها سيفرض تعدد الأساليب الخاصة بكل نوع مستعمل أيضاً، وهذا هو المطلب الذي قد لا يفي به كاتب يقصد إلى مزج الأنواع وتداخلها، دون أن يفلح في مزج أساليبها. فيقوده انفتاحه الأنواعي إلى أزمة أسلوبية. وهذه أول ملاحظة نسجلها على هذا النص.
فالطابع النفسي لرواية ليليث للكاتبة رميساء لعياضي، يبدو الأول ظهوراً بين الأنواع الروائية المستعملة، من حيث الموضوع الذي يتناول فتاة تعاني صدمة عاطفية أسرية، أدخلتها المستشفى، لكن أسلوب الرواية النفسية سرداً ومصطلحاً وزمناً نفسياً وحواراً، وشخصيات هو أكبر غائب. لأن التعامل مع شخصية سيكوباتية، تلزمه عدة أسلوبية تتطلب بناءً نفسياً للشخصية، وأزمنتها النفسية، ولوناً نفسياً حواراتها الباطنية والخارجية، وتحديد الحالات النفسية الانتقالية التي تعبرها، مما يستدعي معرفة سردية بعلم نفس الأدب، والكتابة المرضية، من منظور سردي، استراتيجية نفسية للراوي، فضلاً عن جانب معرفي آخر متصل بالمحيط الطبي الذي يستدعي فضاءات علمنفسية. تمنح النص والكاتب نوعاً من التمكين والاضطلاع بأسلوبية هذا النوع السردي.
لكن بغياب عدة السرد النفسي، الذي يحضر كموضوع دون أسلبة، تتعامل الكاتبة بسطحية كبيرة مع العوالم النفسية لبطلتها، وأحداثه الناجمة عن أزمة/ صدمة نفسية وعاطفية سببها صراع عائلي، تعرضت له البطلة/ الراوية، ما جعلها تتماهى أثناء نوبات الصرع في تلك الأزمة مع شخصيات أسطورية عدة ويتمثل لها عالم المستشفى وشخوصه، نتيجة عصاب/ ذهان متسلط بأنهم شخصيات مروا بها من قبل في قراءاتها للأساطير البابلية واليونانية المصرية التي تملأ شخصياتها وأحداثها ذهن الراوية المأزومة نفساً.
وبعد الموضوع النفسي تدخل بنا الروائية: موضوع السرد الفنتاستيكي، الذي يجسده المحتوى الحكائي لتلك الأساطير التي جالت في مخيلة المريضة السريرية، والتي طافت بنا الكاتبة حول شخصياتها وأحداثها، التي تنقلت منها روح الشيطانة الأسطورية ليليث التي رافقت إبليس، ثم آدم، ثم نجدها تتماهى مع إنانا وعشتار البابليتين، وأفروديت اليونانية، وإيزيس الفرعونية، حاملة معها جسد الراوية بأرواح تلك الآلهات المتمردة من فضاء وزمن إلى آخر.
أما السرد المعرفي فقد تمثل في تلك الحمولة القصصية التي مثلت ثقافة النص المشحونة في مادتها الأساسية بالقصص الأسطوري الذي تختبر فيه ثقافة القارئ، فإن لم يكن القارئ يعلم بتلك الأساطير القديمة التي مثلت السواء الأعظم من فضاء السرد، فهي فرصة كبرى ليتعرف على شخصيات واحداث تلك الأساطير وربطها من خلال قراءة هذا النص، بالقصة الواقعية للمرأة المصدومة من العنف الاجتماعي الذي تلقته من زوجها. ولم تتقبله، بالنظر إلى قصة الحب والوفاء الأعمى الذي أحاطته به منذ تعارفهما في الطفولة والمراهقة حتى زواجهما، ليكون تصرفه العنيف تجاهها في لحظة تذمر منها، نسفاً لكل تلك الأساطير العشقية التي أحاطته به ولم يرعها.. لتنصدم الفتاة ليلي، وتنقل إلى غرفة العناية بالمستشفى، هناك حيث رحلت في نوبات الإغماء، وزارتها في تلك الإغفاءات الكابوسية شبيهاتها، من ربات الحب والجمال الأنثوي، في الأساطير القديمة التي نسجت أحداث الرواية.
فالطابع النفسي لرواية ليليث للكاتبة رميساء لعياضي، يبدو الأول ظهوراً بين الأنواع الروائية المستعملة، من حيث الموضوع الذي يتناول فتاة تعاني صدمة عاطفية أسرية، أدخلتها المستشفى، لكن أسلوب الرواية النفسية سرداً ومصطلحاً وزمناً نفسياً وحواراً، وشخصيات هو أكبر غائب. لأن التعامل مع شخصية سيكوباتية، تلزمه عدة أسلوبية تتطلب بناءً نفسياً للشخصية، وأزمنتها النفسية، ولوناً نفسياً حواراتها الباطنية والخارجية، وتحديد الحالات النفسية الانتقالية التي تعبرها، مما يستدعي معرفة سردية بعلم نفس الأدب، والكتابة المرضية، من منظور سردي، استراتيجية نفسية للراوي، فضلاً عن جانب معرفي آخر متصل بالمحيط الطبي الذي يستدعي فضاءات علمنفسية. تمنح النص والكاتب نوعاً من التمكين والاضطلاع بأسلوبية هذا النوع السردي.
لكن بغياب عدة السرد النفسي، الذي يحضر كموضوع دون أسلبة، تتعامل الكاتبة بسطحية كبيرة مع العوالم النفسية لبطلتها، وأحداثه الناجمة عن أزمة/ صدمة نفسية وعاطفية سببها صراع عائلي، تعرضت له البطلة/ الراوية، ما جعلها تتماهى أثناء نوبات الصرع في تلك الأزمة مع شخصيات أسطورية عدة ويتمثل لها عالم المستشفى وشخوصه، نتيجة عصاب/ ذهان متسلط بأنهم شخصيات مروا بها من قبل في قراءاتها للأساطير البابلية واليونانية المصرية التي تملأ شخصياتها وأحداثها ذهن الراوية المأزومة نفساً.
وبعد الموضوع النفسي تدخل بنا الروائية: موضوع السرد الفنتاستيكي، الذي يجسده المحتوى الحكائي لتلك الأساطير التي جالت في مخيلة المريضة السريرية، والتي طافت بنا الكاتبة حول شخصياتها وأحداثها، التي تنقلت منها روح الشيطانة الأسطورية ليليث التي رافقت إبليس، ثم آدم، ثم نجدها تتماهى مع إنانا وعشتار البابليتين، وأفروديت اليونانية، وإيزيس الفرعونية، حاملة معها جسد الراوية بأرواح تلك الآلهات المتمردة من فضاء وزمن إلى آخر.
أما السرد المعرفي فقد تمثل في تلك الحمولة القصصية التي مثلت ثقافة النص المشحونة في مادتها الأساسية بالقصص الأسطوري الذي تختبر فيه ثقافة القارئ، فإن لم يكن القارئ يعلم بتلك الأساطير القديمة التي مثلت السواء الأعظم من فضاء السرد، فهي فرصة كبرى ليتعرف على شخصيات واحداث تلك الأساطير وربطها من خلال قراءة هذا النص، بالقصة الواقعية للمرأة المصدومة من العنف الاجتماعي الذي تلقته من زوجها. ولم تتقبله، بالنظر إلى قصة الحب والوفاء الأعمى الذي أحاطته به منذ تعارفهما في الطفولة والمراهقة حتى زواجهما، ليكون تصرفه العنيف تجاهها في لحظة تذمر منها، نسفاً لكل تلك الأساطير العشقية التي أحاطته به ولم يرعها.. لتنصدم الفتاة ليلي، وتنقل إلى غرفة العناية بالمستشفى، هناك حيث رحلت في نوبات الإغماء، وزارتها في تلك الإغفاءات الكابوسية شبيهاتها، من ربات الحب والجمال الأنثوي، في الأساطير القديمة التي نسجت أحداث الرواية.
ثانياً- إشكالية الحبكة وتداعي النسيج السردي:
على مستوى إدارة الحبكة وتطورها، لم تستطع الكاتبة بناء منطق تطوري لأحداث روايتها، بل إن الحل الوحيد والطريقة الفريدة التي وجدتها الكاتبة واستعملتها في كامل النص من أجل الانتقال من أسطورة إلى أسطورة، ومن فضاء إلى فضاء سردي آخر ومن حدث إلى حدث، هي جملة وحيدة استعملتها من أول النص إلى آخره تقول فيها: [وفجأة خرجت من ذلك المكان والزمن لأجد نفسي في مكان كذا وزمان كذا]، ومع كثرة الانتقال من أسطورة إلى واقع ثم إلى أسطورة أخرى، ومن حدث إلى حدث آخر بنفس هذه الطريقة المفككة جعل هذه العبارة اللازمة هي الأكثر تكراراً في النص، مما جعلها تكرس انفصام المشاهد والأحداث، وعدم قدرة الكاتبة على إيجاد أي منطق يربط هذا الحدث بما يليه، سوى القفز بطريقة غير مبررة بين حدث وآخر [لا أدري كيف انتقلت من هنا ووجدت نفسي هنا]، وهو ما يفقد النص منطق الأحداث بل يلغي قيمة الأحداث بهذه الطريقة، حين تنعدم العلاقة بينهما. حيث يتصور القارئ أن الكاتبة الآن، وبهذه الطريقة غير المترابطة يمكن أن تخترع أي مكان وزمان وحدث وتقول وجدت نفسي هنا دون أن تحتاج لتبرير وجوده أو ربطه بغيره وهو ما جعل النص مفكك الأحداث منعدم المنطق والروابط والتبرير الفني لها، ومنعدم الحبكة.
وإن كان الرابط الوحيد بن الأحداث هو الشخصية (ليليث/ ليلي)،فإن هذه الأخيرة لن تفعل شيئاَ للمنطق الحدثي المفكك، ولا تستطيع إنقاذه للأسف، لأن الحبكة ببساطة تقوم على تسلسل الأحداث وخلق منطق تطوري أو سببي رابط بينها، بحيث يصب هذا في ذلك، أو يحيل عليه. وهو ما يطلق عليه بالشعرية الذاتية للنص. ويقصد بها المنطق التخييلي الذي أوجده الكاتب في ربط أحداث نصه والذي لا يمكن أن يوجد أو يصلح إلا لذلك النص دون سواه، وهو الأمر الذي ينعدم في هذا النص: حبكة ومنطقاً تخييلياً ورابطاً تطورياً وانسجامياً بين الأحداث.
والظاهرة الثانية التي خربت منطق السرد وشعريته، هو دخول الكاتبة نفسها في السرد، وذلك حين تقحم فيه مقاطع طويلة، وغير مبررة من الخطابات النسوية (discours féministe)، التي تصف تمرد الأنثى على الأبوية الذكورية، في انفصال تام عن مجرى السرد، ثم تفعود بصورة غير مبررة إلى مواصلة القصة لتمنحها لرواية بعد أن تكون قد قطعتها بتدخلها المقحم -ككاتبة- في الأحداث. (وتجدر الإشارة إلى وهم لاحظت توارده بشكل كبير في مثل هذه الكتابات الأولية، وهي أن الكاتب يظن أن بإمكانه التدخل حيثما أراد، وأن يقحم أي الموضوع الذي يشغل باله، في قصته، مادام هو الكاتب، فذلك يخول له الزج بالنص والقارئ في شواغله الذاتية حتى وإن لم تكن ذات علاقة بموضوع نصه وسيرورة أحداثه. وهذا ما يسبب ذلك النشاز الذي ينفر القارئ من النص ويحول هذا الأخير إلى شطحات وشذرات لا انسجام بينها، ولا منطق لها ولا حبكة تطور وتربط أحداثها).
وهذا ما يعكس محدودية قدرات الكاتبة على التحكم في الكم المعلوماتي والقصص التي أوردتها متجاورة، واعتمدت القفز غير المبرر بينها، دون أن تتمكن من بأية آلية فنية للربط بينها أو منح القاريء أي منطق يبرر المرور بين حدث ومشهد وفضاء سوى القفز العشوائي من هذا إلى ذلك. فضلاً عن الإقحام للذات الكاتبة لآراء وخطابات وأفكار ناشزة عن مسار النص وأحداثه. مما جعلنا في كثير من الأحيان، أمام مجموعة شذرات غير مترابطة وليس نصاً بالمفهوم البنائي.
تعدد المواضيع (التيمات)- وتفاوت مستوايات السرد، هل هو صحي أو تخريبي؟
تحاول الكاتبة انطلاقاً من العنوان الفرعي لروايتها (ليليث- أحجية المرأة المتمردة) أن تسطل الضوء على موضوع تمرد المرأة. وتجول بنا أسطورياً حول طائفة من النساء المتمردات. وفي خضم تنقلها بين أسطورة وأخرى، يبرز موضوعان آخران أكثر هيمنة من الموضوع الإطاري ذاك.. وهما: الصراع بين الخير والشر، والسيطرة على العالم، بين مردة الشياطين الأشرار، وملوك الجن الأخيار. وهاذان الموضوعان الجانبيان، هما ما أدخلا النص في نوع سردي جديد هو رواية الفتيان.
كون الخير والشر، والسيطرة على العالم، من أشهر المواضيع الطفالية التي تركز عليها أفلام الكرتون الموجهة للصغار، وكتابة الفتيان بالنسبة للسرد. مما منح النص مستويين متفاوتين. وفقاً للتيمتين المفروضتين عليه:
1- موضوع تمرد المرأة ليلي/ ليليث، فرض مستوى السرد الموجه للكبار.
2- موضوعا: صراع الخير واشر، والهيمنة على العالم بين مردة الشياطين، ملوك الجان. فرض مستوى أدب الفتيان.
فإن كان تعدد المواضيع (التيمات) إثراءً حقيقياً قد يمنح النص روحاً معرفية مشبعة ومؤثثة سردياً إن تمكن منها الكاتب، فإن انشطار النص إلى مستويي الكبار تارة والفتيان تارة أخرى، قد أخل أيما إخلال بالحبكة، والانسجام وزاده نشازاً، وإضعافاً لتركيز النص والقارئ. الذي يسجد نفسه مضطراً لاستعارة ذهن الطفل ووعيه إن كان القارئ كبيراً في السن، وأن يزج به في مواضيع غير مؤهل لها بعد- ذهنياً، وتربوياً- إن كان القارئ فتى صغيراً، وهو ما يجعل النص في كلا الحالتين غير ذي جدوى لأي منهما.
وإن كان الرابط الوحيد بن الأحداث هو الشخصية (ليليث/ ليلي)،فإن هذه الأخيرة لن تفعل شيئاَ للمنطق الحدثي المفكك، ولا تستطيع إنقاذه للأسف، لأن الحبكة ببساطة تقوم على تسلسل الأحداث وخلق منطق تطوري أو سببي رابط بينها، بحيث يصب هذا في ذلك، أو يحيل عليه. وهو ما يطلق عليه بالشعرية الذاتية للنص. ويقصد بها المنطق التخييلي الذي أوجده الكاتب في ربط أحداث نصه والذي لا يمكن أن يوجد أو يصلح إلا لذلك النص دون سواه، وهو الأمر الذي ينعدم في هذا النص: حبكة ومنطقاً تخييلياً ورابطاً تطورياً وانسجامياً بين الأحداث.
والظاهرة الثانية التي خربت منطق السرد وشعريته، هو دخول الكاتبة نفسها في السرد، وذلك حين تقحم فيه مقاطع طويلة، وغير مبررة من الخطابات النسوية (discours féministe)، التي تصف تمرد الأنثى على الأبوية الذكورية، في انفصال تام عن مجرى السرد، ثم تفعود بصورة غير مبررة إلى مواصلة القصة لتمنحها لرواية بعد أن تكون قد قطعتها بتدخلها المقحم -ككاتبة- في الأحداث. (وتجدر الإشارة إلى وهم لاحظت توارده بشكل كبير في مثل هذه الكتابات الأولية، وهي أن الكاتب يظن أن بإمكانه التدخل حيثما أراد، وأن يقحم أي الموضوع الذي يشغل باله، في قصته، مادام هو الكاتب، فذلك يخول له الزج بالنص والقارئ في شواغله الذاتية حتى وإن لم تكن ذات علاقة بموضوع نصه وسيرورة أحداثه. وهذا ما يسبب ذلك النشاز الذي ينفر القارئ من النص ويحول هذا الأخير إلى شطحات وشذرات لا انسجام بينها، ولا منطق لها ولا حبكة تطور وتربط أحداثها).
وهذا ما يعكس محدودية قدرات الكاتبة على التحكم في الكم المعلوماتي والقصص التي أوردتها متجاورة، واعتمدت القفز غير المبرر بينها، دون أن تتمكن من بأية آلية فنية للربط بينها أو منح القاريء أي منطق يبرر المرور بين حدث ومشهد وفضاء سوى القفز العشوائي من هذا إلى ذلك. فضلاً عن الإقحام للذات الكاتبة لآراء وخطابات وأفكار ناشزة عن مسار النص وأحداثه. مما جعلنا في كثير من الأحيان، أمام مجموعة شذرات غير مترابطة وليس نصاً بالمفهوم البنائي.
تعدد المواضيع (التيمات)- وتفاوت مستوايات السرد، هل هو صحي أو تخريبي؟
تحاول الكاتبة انطلاقاً من العنوان الفرعي لروايتها (ليليث- أحجية المرأة المتمردة) أن تسطل الضوء على موضوع تمرد المرأة. وتجول بنا أسطورياً حول طائفة من النساء المتمردات. وفي خضم تنقلها بين أسطورة وأخرى، يبرز موضوعان آخران أكثر هيمنة من الموضوع الإطاري ذاك.. وهما: الصراع بين الخير والشر، والسيطرة على العالم، بين مردة الشياطين الأشرار، وملوك الجن الأخيار. وهاذان الموضوعان الجانبيان، هما ما أدخلا النص في نوع سردي جديد هو رواية الفتيان.
كون الخير والشر، والسيطرة على العالم، من أشهر المواضيع الطفالية التي تركز عليها أفلام الكرتون الموجهة للصغار، وكتابة الفتيان بالنسبة للسرد. مما منح النص مستويين متفاوتين. وفقاً للتيمتين المفروضتين عليه:
1- موضوع تمرد المرأة ليلي/ ليليث، فرض مستوى السرد الموجه للكبار.
2- موضوعا: صراع الخير واشر، والهيمنة على العالم بين مردة الشياطين، ملوك الجان. فرض مستوى أدب الفتيان.
فإن كان تعدد المواضيع (التيمات) إثراءً حقيقياً قد يمنح النص روحاً معرفية مشبعة ومؤثثة سردياً إن تمكن منها الكاتب، فإن انشطار النص إلى مستويي الكبار تارة والفتيان تارة أخرى، قد أخل أيما إخلال بالحبكة، والانسجام وزاده نشازاً، وإضعافاً لتركيز النص والقارئ. الذي يسجد نفسه مضطراً لاستعارة ذهن الطفل ووعيه إن كان القارئ كبيراً في السن، وأن يزج به في مواضيع غير مؤهل لها بعد- ذهنياً، وتربوياً- إن كان القارئ فتى صغيراً، وهو ما يجعل النص في كلا الحالتين غير ذي جدوى لأي منهما.
ثالثاً- الخزانة المعرفية للنص (التأثيث المعرفي)
1- الخلفية التأثيثية والمراجع الأسلوبية.
تحاول الكاتبة جلياً أن تتأطر بأسلوب الروائيين (أحمد خالد توفيق/ وأحمد خالد مصطفى). بشكل تأثري جلي، بالنسبة لمن قرأ لهذين الكاتبين، فهي تتأثرر بالأول، من خلال بعض العبارات والمشاهد الجاهزة، التي تمتزج فيها لوحات المعاصرة بالأسطورة، وترديد الكثير من التعويذات التي يستعملها عادة أحمد خالد توفيق، والمسميات الشيطانية نفسها التي تدور في قصصه ورواياته.
أما بروز أحمد خالد مصطفى (صاحب ثلاثة: أنتيخريستوس، وأرض السافلين، وملائك نصيبين)، فتأخذ عنه أسلوب الشخصية المخيالية العابرة للأزمنة والعصور، والتي تتماهى روحها كل مرة مع جسد شخصية معروفة في التاريخ الديني أو الأسطوري، دون أن تموت أو تشيخ، أو تتردى، وهذا أسلوب عجائبي، يختص به هذا الكاتب ولم يخرج عنه حتى الآن فيأ ينن كتاباته، وهو الأسلوب نفسه الذي تتبناه الكاتبة في رسيم روح ليليث، الانتقالية من جسد إلى جسد أخر، من شخصية أسطورية إلى أخرى.
كاشفة لنا غاية في الجلاء، عن مصادر أسلوبها القصصي، وعن كثير من مراجع مسمياتها، وتعاويذها التي أخذتها عن هذين الكاتبين البارزين في أدب الخيال العلمي والرعب في السرد العربي الثالث. (السحري والعجائبي).
تحاول الكاتبة جلياً أن تتأطر بأسلوب الروائيين (أحمد خالد توفيق/ وأحمد خالد مصطفى). بشكل تأثري جلي، بالنسبة لمن قرأ لهذين الكاتبين، فهي تتأثرر بالأول، من خلال بعض العبارات والمشاهد الجاهزة، التي تمتزج فيها لوحات المعاصرة بالأسطورة، وترديد الكثير من التعويذات التي يستعملها عادة أحمد خالد توفيق، والمسميات الشيطانية نفسها التي تدور في قصصه ورواياته.
أما بروز أحمد خالد مصطفى (صاحب ثلاثة: أنتيخريستوس، وأرض السافلين، وملائك نصيبين)، فتأخذ عنه أسلوب الشخصية المخيالية العابرة للأزمنة والعصور، والتي تتماهى روحها كل مرة مع جسد شخصية معروفة في التاريخ الديني أو الأسطوري، دون أن تموت أو تشيخ، أو تتردى، وهذا أسلوب عجائبي، يختص به هذا الكاتب ولم يخرج عنه حتى الآن فيأ ينن كتاباته، وهو الأسلوب نفسه الذي تتبناه الكاتبة في رسيم روح ليليث، الانتقالية من جسد إلى جسد أخر، من شخصية أسطورية إلى أخرى.
كاشفة لنا غاية في الجلاء، عن مصادر أسلوبها القصصي، وعن كثير من مراجع مسمياتها، وتعاويذها التي أخذتها عن هذين الكاتبين البارزين في أدب الخيال العلمي والرعب في السرد العربي الثالث. (السحري والعجائبي).
2- المعلومة السردية بين جواز التصرف، والخطأ المعرفي
ينتقل انعدام الربط بين أحداث النص ومشاهده، من البناء السردي الشكلي، إلى مضمون تلك الأساطير التي وظفتها الكاتبة في نصها، إذ يبدو أن الكاتبة وهي تفرغ ذلك الزخم الأساطيري تارة، وتحاكيه في روايتها تارة أخرة، لم تحط بشكل كامل وصحيح من المحتوى المعرفي لتلك الأساطير سواء كشخصيات أو كأحداث، ودون أن تتحقق من العلاقات الداخلية التي وضعها مدونوا تلك الأساطير. وهنا علينا الإشارة إلى أمر هام.. وهو متى يمكن للكاتب أن يغير محتوى القصص المنقولة والمشهورة المستعملة في نصه، ومتى لا يحق له ذلك؟ والجواب بيسط هنا. ويكمن في طريقة توظيفه لها وحسب:
فإن كان الكاتب يتناول تلك القصص والأساطير موضوعاً متناصاً مع نصه فجائز له أن يتصرف فيها على سبيل التناص الحواري (كما أشار إلى ذلك باختين وكريستيفا ومحمد بنيس)، لأن الأسطورة هنا تكون موضوع بحث وحوار ونقاش وتعديل في كيفية التوظيف.
أما إن كانت تلك القصص والأساطير الغيرية، مستعملة كمراجع في خلفية النص، (كما فعلت الكاتبة هنا بمراجعها الأسطورية) فهنا لا يحق للكاتب أن يعبث في متن مرجع اختاره خلفية لأحداثه.
وبما أن الأساطير الموظفة في النص قد جاءت بطريقة المرجع الخلفي للأحداث، فإن تحوير المرجع هنا قد أضحى نقلاً خاطئاً معرفياً، وتخريباً لحبكة تلك الأساطير وروابطها بعد أن أحكم مدونها ربط ِأحدثها ونسج حبكتها. بإحكام، كأنما صار دور الكاتبة هنا هو تفكيك أي حبكة أو منطق في هذا النص سواء في بنائه الشكلي الأصلي، أو حتى على مستوى الأساطير الغيرية التي تتمرجع بها.
هكذا تشير الكاتبة في الصفحة 79، إلى أن كلكامش هزم أنكيدو في لقائهما الأول: [ففعل ذلك وقاتل كلكامش وهُزم من طرفه، ليصبح بعد ذلك أعز صديق له]. (وقد وردت هذه المعلومة في مراجع غير أصلية للنص ربما تكون الكاتبة قد استعانت بها)، بينما يقول مصدر الملحمة (في النسخ المحققة الأخيرة عن طه باقر)، بأن لا أحد منهما استطاع، أن يهزم الآخر، وذلك سبب عدم قتل أحدهما للأخر وسبب إعجاب كل منهما بقوة الآخر، وسبب صداقتهما المتينة بعد أن قررا إيقاف الصراع المتكافئ الذي لم يفز فيه أحد. ولا ندري ما سبب هذا التحريف.
وفي تغيير لمسار آخر للمتن الأسطوري في ملحمة كلكامش يمس بترتيب أحداثه وحبكته، تأتي الكاتبة، في الصفحة 133، بلوحة شعرية جاءت تصف بداية رحلة كلكامش نحو جده الإله أوتانابشتم، وتضعها على أنها هي نهاية رحلة كلكامش، وبالفعل تنهي قصة كلكامش بها. بشكل غريب: تقول الفقرة التي نقلتها الكاتبة من الملحمة:
"إلى أين تسعى يا كلكامش.. إن الحياة التي تبغي لن توجد..." وتتلوها ب11 بيتاً من اللوحة.
لكن القارئ لمتن الملحمة يعلم أن هذه الفقرة من كلام صاحبة الحانة سيدوري، في بداية رحلة كلكامش وليس نهايتها.
تنصح فيها سيدوري كلكامش بالعودة من حيث أتى، في بداية رحلته قبل قطع البحر الثاني مع الملاح أورشنابي، وقبل لقائه بجده الإله أوتانبشتم.. وبطريقة غريبة وغير منطقية لا بالنسبة للملحمة، ولا بالنسبة للرواية نفسها تأخذ الكاتبة قصة بداية رحلة كلكامش وتضعها في ختام رحلته، أي تضعها بعد أن دخل ليستحم في بئر، وبعد أن أكلت الحية نبتة الخلود.
ولا نجد لهذا الخلط أي مبرر سوى أن الكاتبة لم تطالع الملحمة كاملة وإنما اقتطعت منها مقاطع، مستعجلة لتزين بها نصها، مخربة بذلك المتنين الملحمي والروائي معاً. والأرجح هو عدم أخذ الكاتبة للمعلومة من مصادرها الأصلية، عند الخوض في غمار تلك الأساطير العالمية.
أما حين تتعرض الكاتبة لملحمة الإلياذة والأوديسا فإنها تنتهكها انتهاكاً صارخاً، وذلك حين جعلت هدية الألهة أفروديت (آلهة الحب والجمال عن اليونان) للفتى الطروادي باريس، عندما اختارها الأجمل من بين هيرا وأثينا، أن قدمت له أجمل نساء العالم ليتزوجها كما وعدته، ففي ملحمة هورميروس، المرأة التي أهدتها أفروديت لباريس زوجة مينيلاوس ملك إسبارطة، وهي هيلانا (أجمل نساء العالم)، بينما تخبر الكاتبة قراءها بأن أفروديت منحت للفتى باريس كهدية: زوجة أغاممنون.؟؟
قالت الكاتبة في الصفحة 311 [ وهكذا وفيت بوعدي، للإيريس، ووفيت بوعدي لباريس، الذي رزقته حب زوجة أغاممنون أجمل امرأة والتي توعد الحكام والملوك على الدفاع عن شرفها..].
ويعلم القراء المطالعون للمحلمة بأن زوجة أغممنون هي كليتمنسترا، وهي ملكة مايسيني وليس إسبارطة.. لتقع الكاتبة نتيجة هذا الخطأ في مغالطة كبرى، وتضليل فضيع لكل قارئ لم يطلع بعد على أطوار حرب طروادة وملحمة الإلياذة، وهو تحريف غير مبرر، وخلط في صلب أحداث الملحمة اليونانية، وسيقود هذا الخطأ المعرفي إلى خلط آخر على مستوى أحداث روايتها التي تسير في ظل هذه الملحمة.
وهو تأكيد آخر على أن الكاتبة تعتمد نصوصاً أسطورية كمراجع لروايتها لا تعرف أطرافها الفاعلة ولا تميز بين شخصياتها، ولم تتمكن بعد من فرز تفاصيل أحداثها وبنائها، فأخطأت في متن قصة قد صارت من أزمنة بديهية يعرفها جميع المثقفين.
ما يعني من جهة ثانية أن الكاتبة بعد هذا الخلط المعرفي قد خربت أيضاً حبكة روايتها المعتمد على نصوص أسطورية تمنيناً أن لو أنها كانت مطلعة عليها، ومتمكنة منها قبل توظيفها في نصها. أو أنها راجعتها معرفياً قبل تقديمها للقارئ محرفة ومشوهة بهذا الشكل.
هذه الأخطاء المعرفية وغيرها كثير، والركام الكبير من الأخطاء اللغوية التي ملأت سواد صفحات الرواية يتحملها بالتساوي، الناشر الذي طبع العمل دون مراجعة أيضاً.
وبعيدأ عن هذه الغابة من الأخطاء التي زجت بنا الكاتبة في غمارها والتي تشوش تلقي النص بشكل فظيع، فإن هذا العمل لو تم تشذيبه من نواح ثلاثة، لكان عملاً روائياً ناضجاً.
حسم الاختيار بين الأدب الموجه للفتيان، والأدب الموجه للكبار
- تصحيح جميع الأخطاء اللغوية والمعرفية
- حذف إقحامات الكاتبة للفقرات والصفحات التي تعبر عن رأيها الشخصي بشكل مباشر والتي زجت بها في القصة دونما داع أو مبرر.
- رسم منطق تطوري للأحداث وحبكة تصل الأفكار وفضاءات الانتقال السردي بدل عبارة (وفجأة وجدت نفسي في مكان وزمان آخر؟؟).
من الجميل حقاً، التأثر بِكُتَّاب أدب الفنتازيا وعلم النفس لكن الأجمل أن نحيط علماً ودراية بخصائص تلك السرود.
لنقول أخيراً بأن (ليليث- أحجية المرأة المتمردة) ستكون رواية ممتعة، وأصيلة في جنسها، ومتداخلة الموضوعات والأنواع بشكل فني يخدم النص ولا يهدمه، لو أزاحت منها الكاتبة تلك التشوهات الشكلية، والهنات الضمنية التي أشرنا إليها.. وأنوه بالقدرات تأليفية هائلة لهذا القلم الصاعد لو تحكم في أسلوبية أنواعه السردية، وتمكن من المادة المعرفية التي يؤثث بها سرده. وراجع نصه من أخطاء اللغة التي شوهت النص وشوشت القراءة.
----------------------------------------
*- رواية ليليث- أحجية المرأة المتمردة للكاتبة روميساء لعياضي، دار الماهر، ط1، 2019
ينتقل انعدام الربط بين أحداث النص ومشاهده، من البناء السردي الشكلي، إلى مضمون تلك الأساطير التي وظفتها الكاتبة في نصها، إذ يبدو أن الكاتبة وهي تفرغ ذلك الزخم الأساطيري تارة، وتحاكيه في روايتها تارة أخرة، لم تحط بشكل كامل وصحيح من المحتوى المعرفي لتلك الأساطير سواء كشخصيات أو كأحداث، ودون أن تتحقق من العلاقات الداخلية التي وضعها مدونوا تلك الأساطير. وهنا علينا الإشارة إلى أمر هام.. وهو متى يمكن للكاتب أن يغير محتوى القصص المنقولة والمشهورة المستعملة في نصه، ومتى لا يحق له ذلك؟ والجواب بيسط هنا. ويكمن في طريقة توظيفه لها وحسب:
فإن كان الكاتب يتناول تلك القصص والأساطير موضوعاً متناصاً مع نصه فجائز له أن يتصرف فيها على سبيل التناص الحواري (كما أشار إلى ذلك باختين وكريستيفا ومحمد بنيس)، لأن الأسطورة هنا تكون موضوع بحث وحوار ونقاش وتعديل في كيفية التوظيف.
أما إن كانت تلك القصص والأساطير الغيرية، مستعملة كمراجع في خلفية النص، (كما فعلت الكاتبة هنا بمراجعها الأسطورية) فهنا لا يحق للكاتب أن يعبث في متن مرجع اختاره خلفية لأحداثه.
وبما أن الأساطير الموظفة في النص قد جاءت بطريقة المرجع الخلفي للأحداث، فإن تحوير المرجع هنا قد أضحى نقلاً خاطئاً معرفياً، وتخريباً لحبكة تلك الأساطير وروابطها بعد أن أحكم مدونها ربط ِأحدثها ونسج حبكتها. بإحكام، كأنما صار دور الكاتبة هنا هو تفكيك أي حبكة أو منطق في هذا النص سواء في بنائه الشكلي الأصلي، أو حتى على مستوى الأساطير الغيرية التي تتمرجع بها.
هكذا تشير الكاتبة في الصفحة 79، إلى أن كلكامش هزم أنكيدو في لقائهما الأول: [ففعل ذلك وقاتل كلكامش وهُزم من طرفه، ليصبح بعد ذلك أعز صديق له]. (وقد وردت هذه المعلومة في مراجع غير أصلية للنص ربما تكون الكاتبة قد استعانت بها)، بينما يقول مصدر الملحمة (في النسخ المحققة الأخيرة عن طه باقر)، بأن لا أحد منهما استطاع، أن يهزم الآخر، وذلك سبب عدم قتل أحدهما للأخر وسبب إعجاب كل منهما بقوة الآخر، وسبب صداقتهما المتينة بعد أن قررا إيقاف الصراع المتكافئ الذي لم يفز فيه أحد. ولا ندري ما سبب هذا التحريف.
وفي تغيير لمسار آخر للمتن الأسطوري في ملحمة كلكامش يمس بترتيب أحداثه وحبكته، تأتي الكاتبة، في الصفحة 133، بلوحة شعرية جاءت تصف بداية رحلة كلكامش نحو جده الإله أوتانابشتم، وتضعها على أنها هي نهاية رحلة كلكامش، وبالفعل تنهي قصة كلكامش بها. بشكل غريب: تقول الفقرة التي نقلتها الكاتبة من الملحمة:
"إلى أين تسعى يا كلكامش.. إن الحياة التي تبغي لن توجد..." وتتلوها ب11 بيتاً من اللوحة.
لكن القارئ لمتن الملحمة يعلم أن هذه الفقرة من كلام صاحبة الحانة سيدوري، في بداية رحلة كلكامش وليس نهايتها.
تنصح فيها سيدوري كلكامش بالعودة من حيث أتى، في بداية رحلته قبل قطع البحر الثاني مع الملاح أورشنابي، وقبل لقائه بجده الإله أوتانبشتم.. وبطريقة غريبة وغير منطقية لا بالنسبة للملحمة، ولا بالنسبة للرواية نفسها تأخذ الكاتبة قصة بداية رحلة كلكامش وتضعها في ختام رحلته، أي تضعها بعد أن دخل ليستحم في بئر، وبعد أن أكلت الحية نبتة الخلود.
ولا نجد لهذا الخلط أي مبرر سوى أن الكاتبة لم تطالع الملحمة كاملة وإنما اقتطعت منها مقاطع، مستعجلة لتزين بها نصها، مخربة بذلك المتنين الملحمي والروائي معاً. والأرجح هو عدم أخذ الكاتبة للمعلومة من مصادرها الأصلية، عند الخوض في غمار تلك الأساطير العالمية.
أما حين تتعرض الكاتبة لملحمة الإلياذة والأوديسا فإنها تنتهكها انتهاكاً صارخاً، وذلك حين جعلت هدية الألهة أفروديت (آلهة الحب والجمال عن اليونان) للفتى الطروادي باريس، عندما اختارها الأجمل من بين هيرا وأثينا، أن قدمت له أجمل نساء العالم ليتزوجها كما وعدته، ففي ملحمة هورميروس، المرأة التي أهدتها أفروديت لباريس زوجة مينيلاوس ملك إسبارطة، وهي هيلانا (أجمل نساء العالم)، بينما تخبر الكاتبة قراءها بأن أفروديت منحت للفتى باريس كهدية: زوجة أغاممنون.؟؟
قالت الكاتبة في الصفحة 311 [ وهكذا وفيت بوعدي، للإيريس، ووفيت بوعدي لباريس، الذي رزقته حب زوجة أغاممنون أجمل امرأة والتي توعد الحكام والملوك على الدفاع عن شرفها..].
ويعلم القراء المطالعون للمحلمة بأن زوجة أغممنون هي كليتمنسترا، وهي ملكة مايسيني وليس إسبارطة.. لتقع الكاتبة نتيجة هذا الخطأ في مغالطة كبرى، وتضليل فضيع لكل قارئ لم يطلع بعد على أطوار حرب طروادة وملحمة الإلياذة، وهو تحريف غير مبرر، وخلط في صلب أحداث الملحمة اليونانية، وسيقود هذا الخطأ المعرفي إلى خلط آخر على مستوى أحداث روايتها التي تسير في ظل هذه الملحمة.
وهو تأكيد آخر على أن الكاتبة تعتمد نصوصاً أسطورية كمراجع لروايتها لا تعرف أطرافها الفاعلة ولا تميز بين شخصياتها، ولم تتمكن بعد من فرز تفاصيل أحداثها وبنائها، فأخطأت في متن قصة قد صارت من أزمنة بديهية يعرفها جميع المثقفين.
ما يعني من جهة ثانية أن الكاتبة بعد هذا الخلط المعرفي قد خربت أيضاً حبكة روايتها المعتمد على نصوص أسطورية تمنيناً أن لو أنها كانت مطلعة عليها، ومتمكنة منها قبل توظيفها في نصها. أو أنها راجعتها معرفياً قبل تقديمها للقارئ محرفة ومشوهة بهذا الشكل.
هذه الأخطاء المعرفية وغيرها كثير، والركام الكبير من الأخطاء اللغوية التي ملأت سواد صفحات الرواية يتحملها بالتساوي، الناشر الذي طبع العمل دون مراجعة أيضاً.
وبعيدأ عن هذه الغابة من الأخطاء التي زجت بنا الكاتبة في غمارها والتي تشوش تلقي النص بشكل فظيع، فإن هذا العمل لو تم تشذيبه من نواح ثلاثة، لكان عملاً روائياً ناضجاً.
حسم الاختيار بين الأدب الموجه للفتيان، والأدب الموجه للكبار
- تصحيح جميع الأخطاء اللغوية والمعرفية
- حذف إقحامات الكاتبة للفقرات والصفحات التي تعبر عن رأيها الشخصي بشكل مباشر والتي زجت بها في القصة دونما داع أو مبرر.
- رسم منطق تطوري للأحداث وحبكة تصل الأفكار وفضاءات الانتقال السردي بدل عبارة (وفجأة وجدت نفسي في مكان وزمان آخر؟؟).
من الجميل حقاً، التأثر بِكُتَّاب أدب الفنتازيا وعلم النفس لكن الأجمل أن نحيط علماً ودراية بخصائص تلك السرود.
لنقول أخيراً بأن (ليليث- أحجية المرأة المتمردة) ستكون رواية ممتعة، وأصيلة في جنسها، ومتداخلة الموضوعات والأنواع بشكل فني يخدم النص ولا يهدمه، لو أزاحت منها الكاتبة تلك التشوهات الشكلية، والهنات الضمنية التي أشرنا إليها.. وأنوه بالقدرات تأليفية هائلة لهذا القلم الصاعد لو تحكم في أسلوبية أنواعه السردية، وتمكن من المادة المعرفية التي يؤثث بها سرده. وراجع نصه من أخطاء اللغة التي شوهت النص وشوشت القراءة.
----------------------------------------
*- رواية ليليث- أحجية المرأة المتمردة للكاتبة روميساء لعياضي، دار الماهر، ط1، 2019
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق