الصفحات

الأربعاء، 4 يونيو 2014

قصة كفاح عالم الوراثة جريجور مندل



يعرف علم الوراثة بأنه ذلك الفرع من علم الأحياء الذي يدرس الصفات الوراثية وانتقالها من الآباء إلى الأبناء ويبحث في تفسير أسباب التشابه والاختلاف بين الأفراد التي تجمعها صفة القرابة ومعرفة نظم انتقال هذه الصفات من جيل إلى جيل آخر. وفي بحثي هذا سأتطرق إلى نبذه عن مؤسس علم الوراثة 
( جريجور مندل ) ....


((حــــــيــــاتـــــــــــــــــــــه)) 


كان مؤسس علم الوراثة واسمه جريجور مندل رجلاً مغموراً لا يُعرف عنه سوى القليل حتى بعد وفاته. 
وقد ولد مندل من أبوين فقيرين في 22 من يوليو سنة 1822 في قرية صغيرة تدعى
(( هينزندورف )) تتبع حالياً تشيكوسلوفاكيا ، غير أنها كانت قطعة من النمسا في ذلك الوقت . وفي تلك الأيام كانت أسر القرويين ، ومن بينها أسرة مندل ، تعيش في أكواخ متواضعة في أراضي النبلاء . وكانوا يقومون بفلاحة الأراضي دون أجر ، وذلك مقابل سكناهم .

غير أن أنطون مندل _ والد مندل _ كان أوفر حظاً ، إذ كان أول من امتلك مزرعة خاصة من بين أسرته . وكان يعمل دون اجر ثلاثة أيام في الأسبوع من أجل السيد الذي كان يمتلك الأرض أصلاً . ولم تكن الأسرة تمتلك من المال إلا القليل ، وكان عيشهم شظفاً . 

وبدأ الطفل - وقد أطلقوا عليه اسم هانز - يعاون أباه في البستان وهو لا يزال صغير السن وكانا يقومان أحياناً بتطعيم الأشجار ، وذلك فتحة في فرع شجرة وتثبيت غصن شجرة أخرى فيها . وقد كان المزارعون يستخدمون تلك الطريقة منذ قديم الزمان ، إذ كانوا يعتقدون عن صواب انها تنتج محصولات أوفر كمية وأفضل . ومازالت تلك الطريقة تستعمل حتى الآن . وفي عملية التطعيم لا بد من إدماج جزء من كائن حي في كائن حي آخر . وقد تكون تلك العملية هي التي أثارت فضول مندل عن الوراثة وأوحت إليه بأعماله فيما بعد . 

إن الحقبة الأولى من حياة مندل تمثل قصة كفاح نحو التعلم . ففي العادة كان يقتصر تعليم أبناء المزارعين على مدرسة القرية . غير ان مندل الصغير كان قد سمع عن مدرسة ذات مستوى أعلى على بعد اميال ، وألح على والديه في السماح له بالإلتحاق بها . وكان ذلك في الواقع تضحية كبيرة من الاسرة التي كانت في أشد الحاجة إلى معاونته إياها . ولما كان مندل قد أظهر تقدماً في تلك المدرسة فقد سمحوا له بمواصلة الدراسة في مدرسة اعلى . وفيما عدا ذلك لم يقدموا له سوى مساعدات ضئيلة . وكان معظم طعامه الخبز والزبد ، إذ لم تسمح موارده بشراء طعام أفضل . 

وكان مندل يأمل في الإلتحاق بالجامعة . غير ان آماله تحطمت عندما أصيب والده في حادث وساءت صحته . 

وعندما بلغ العشرين من عمره وجد انه لا يمكن الإستمرار في تحمل هذه المشاق تحت ظروف هذا الحرمان . 

ولما كان مندل ورعاً للغاية فقد قرر أن يتخلى عن مرارة الكفاح في سبيل لقمة العيش والتحق بأحد الأديرة بالقرب من بلده برون . وفي عام 1847وبعد أربع سنوات من الإستعداد أصبح راهباً على المذهب الأوجستيني ، ونصب قسيساً . 

وبعد فترة وجيزة طلبت مدرية قريبة من الدير مدرساً ليعمل بصفة مؤقته فاختير مندل لهذه المهمة مع وعد بإبقائه بصفة مستديمة إذا اجتاز الإختبارات الحكومية ، ولكنه رسب . غير أن رسوبه كان خيراً له إذ ترك مندل في نفوس الممتحنين أثراً كبيراً مما حدا بهم أن يقنعوا رؤساءهم بإلحاقه بجامعة فيينا ، وإذن فقد تحققت له فرصة التعليم العالي التي طالما تاق إليها . 

وبعد دراسة عامين عاد مندل إلى برون حيث قام بتدريس العلوم في مدرستها الثانوية ، وكانت أياماً سعيدة ، فقد أحب عمله ووجد وقتاً كافياً لإجراء تجاربه في هوايته المحبوبة ألا وهي كشف طلاسم الوراثة . 
وكانت تجاربه بسيطة للغاية ، لقد حاول الباحثون من قبله حل مسائل عديدة دون تمهل ، في حين قرر مندل بعقله الراجح دراسة نبات معروف بحيث يتتبع كل صفة على حده ، وأجرى تجاربه في حديقة الدير على البازلاء التي تنبت بالحدائق .

ولاحظ مندل أن البازلاء ليست كلها سواء فبعضها طويل والآخر قصير كما تختلف ألوانها ما بين أصفر وأخضر وبعض أزهارها ملونة والبعض الآخر أبيض ، ثم قام بتهجين السلالات الطويلة بالقصيرة الخضراء بالصفراء وذات الأزهار الملونة بالأخرى ذات الأزهار البيضاء وكان يشير إلى تلك النباتات بزهو وافتخار قائلاً لزواره : (( إنها أطفالي )) 

((أبـــحــاثـــــــه و أعـــــــمالـــــــــــــه)) 

لقد قام مندل جميع أبحاثة و تجاربة على نبات البازلاء ، و كان إختياره لنبات البازلاء موفقاً 
و ذلك للأسباب التاليه :-

1) انها يمكنها التلقيح ذاتياً. 
2) توجد عده أصناف من البازلاء كل صنف يحتوي على زوج من الصفات المضاده.

3) سهولة زراعتها و سرعة نموها . 

4) تمتاز بقصر دوره حياتها . 

و لقد درس مندل سبع صفات مضادة في نبات البازلاء و تلك الصفات هي : 

عندما هجن مندل النباتات الطويلة بالأخرى القصيرة كانت أبناؤها كلها طويلة ولكن عندما لقحت تلك الأبناء الطويلة كان حوالي ثلاثة أرباع الجيل الثاني طويلاً والربع فقط قصيراً . 

وبسبب اكتساح الطول للقصر في هذه البازلاء المهجنة فقد أطلق مندل على هذا الطول اسم (( الصفة السائدة)) والقصر اسم (( الصفة المتنحية )) . 

كما وجد أيضاً أن اللون الأصفر هو السائد على اللون الأخضر في البذور ( البازلاء التي نأكلها هي بذور النبات ) ، وفي الأزهار كان اللون الأحمر هو السائد على الأبيض . 

ثم أطلق العلماء من بعده لفظ جينات ( genes ) على العوامل التي تتحكم في كل من الصفات السائدة والمتنحية واشتق هذا الاسم من كلمة عنصر أو أصل اليونانية . 

ويختص علم الوراثة بدراسة الجينات ، ومندل هو مؤسس هذا العلم الحديث وتعتبر النتائج التي حصل عليها مندل في تجاربه على نبات البازلاء نموذجاً يحدث في كل كائن حي . 
وبرغم الاكتشافات العديدة التي اهتدى اليها مندل فقد كان يشغله شئ هام يريد معرفته كنهه – ماذا يحدث لو أن النباتات التي يربيها اختلفت في صفتين بدلاً من صفة واحدة ؟

واختار البازلاء مرة أخرى لإجراء تلك التجارب . وكانت بذور النباتات ذات الصفة السائدة في الجينات ممتلئة مستديرة صفراء ، في حين كانت بذور النبات ذات صفة المتنحية منكمشة متجعدة خضراء . 
ثم ماذا يحدث لو تم تهجين إحداهما بالأخرى ؟ وهل ستكون البذور المستديرة دائماً صفراء في الجيل الثاني والبذور المتجعدة 
دائماً خضراء ؟

وكما يفعل كل العلماء الثقات أعاد مندل تجاربه لعدة مرات ، وقام في كل مرة بتهجين النباتات ذات الصفة السائدة بالنباتات ذات الصفة الكامنة المتنحية وكان الجيل الثاني يتكون دائماً من نباتات ذات بذور مستديرة صفراء . ووجد أن التهجين في هذه النباتات يشمل كلاً من لون البذور وشكلها ، إذ عندما كان مندل يلقح الجيل الأول من الأبناء بعضها ببعض كانت النتائج في الجيل الثاني كما يلي : 

من كل 16 نباتاً كان 9 منها ذات صفات أصلية سائدة – بذور مستديرة صفراء ، ونبات واحد ذو صفة متنحية ، أي أن بذوره متجعدة خضراء . 
أما النباتات الستة الأخرى فكان لكل منها صفة واحدة سائدة وأخرى متنحية ومن بين تلك المجموعة كان لثلاثة نباتات بذور مستديرة خضراء ، وللثلاث الأخرى بذور متجعدة صفراء .


استخلص مندل من هذه التجارب اكتشافات هامة أخرى . إذ كان يبدو أن لون البذور لم يكن يتأثر بكونها مجعدة أو مستديرة . كما لم ترتبط شكل البذور ولا تركيبها بحال من الأحوال بلونها . 

ودرس مندل سبعاً من هذه الصفات في البازلاء ، وكانت تبدو كل صفة مستقلة عن الأخرى ، فاستخلص من ذلك أن صفات الآباء تتوزع في اتحاد جديد عندما تتكون الذرية ، وأن الاتحاد في ذرية معينة يتقرر فقط بالمصادفة المحضة . 


وقد اكتشف مندل القوانين الرئيسية التالية في الوراثة : 

- يتحكم في كل صفة في البازلاء عاملان – الجينات – واحدة تورث من كل أب . 

- هذه الجينات إما سائدة وإما متنحية . 

- يمكن لكل نبات بازلاء جديد أن يرث اثنين من الجينات السائدة أو اثنين من الجينات التنحية أو واحدة سائدة وأخرى متنحية . 

- توزيع الجينات السائدة أو المتنحية من الآباء للأبناء يخضع للمصادفة المحضة . 

وبعد ثمان سنوات من العمل الشاق – بعد أن أجرى أكثر من عشرة آلاف تجربة – أصبح مندل على استعداد لمشاركة الآخرين ثمرة جهاده . 

وسرعان ماوجد القسيس النمسوي فرصته ، ففي 8 من فبراير سنة 1865 تحدث عن نتائج بحوثه في اجتماع جمعية التاريخ الطبيعي في برون . ثم أضاف تفاصيل أخرى في اجتماع مارس . 

و بعد كل هذه الجهود الجبارة والعشرة آلاف تجربة التي أجراها مندل لم يتحمس لها المستمعون ولم يولوها أي اهتمام ، ونشرت بحوث مندل في مجلة علمية كمسألة روتينية . 

وكتب مندل الى عالم سويسري خطاباً ولم يجئه الرد إلا بعد وقت طويل ، وكان رداً جافاً إذ قال له : 
(( يحسن بك أن تجري تجاربك على نبات آخر !!! )) 

وقبل مندل مشورته ظناً منه أن هذا العالم أفضل منه علماً . غير أن التجارب الجديدة فشلت ، فاضطر مندل إلى هجر العلم والتفرغ لأمور أخرى ، وكان يردد :
((ستواتيني الفرصة فيما بعد ))

غير أن الفرصة تأخرت كثيراً ، إذ وافته المنية عام 1884 ، وكان قد ازداد وزنه ولم يعد قادراً على العمل في حديقته ، ولم يكن يدري وقتئذ أنه سيصبح من المشاهير . وانقضت ست عشرة سنة قبل أن يتنبه العلم أن قسيساً متواضع في دير نمسوى هادئ قد توصل الى كشف من أعظم الاكتشافات على مر الأيام . 

هذا وقد توصل ثلاثة علماء هم ديفريز و كارل كورنز و إريخ فون تشارمارك الى نفس النتائج التي وصل اليها مندل بعد مرور 35 سنة من كتابته لبحوثه !!! 

وبذلك أمكن لثلاثة علماء لم يسبق لهم معرفة شئ ما عن أعمال مندل أن يعيدوا أسس اكتشافات مندل مرة أخرى . وبذا أصبح اسمه على كل لسان . وأنشئ له تمثال في برون تخليداً لذكراه وأشاد به العالم أجمع كمؤسس لعلم الوراثة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق